فصل: تفسير الآية رقم (44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (43):

القول في تأويل قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [43].
{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} أي: لهؤلاء المنافقين بالتخلف حين اعتلّوا بعللهم، {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم في القعود، لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنهم قد كانوا مصرّين على القعود عن الغزو.
ولهذا أخبر تعالى أنه لا يستأذنه في القعود عن الغزو أحد يؤمن بالله ورسوله، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (44):

القول في تأويل قوله تعالى: {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [44].
{لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} أي: لمنع إيمانهم به، من مخالفته، مع القدرة {وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} لمنع إيمانهم به من ترك تعويض الثواب والحياة الأبديين إذا أُمرِوا: {أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} أي: لأنهم يودون الجهاد بها قربة، فيبذلونها في سبيله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} أي: فيعطيهم من الأجر ما يناسب تقواهم.
ففيه شهادة لهم بالإنتظام في زمرة الأتقياء، وعِدَةٌ لهم بأجزل الثواب.

.تفسير الآية رقم (45):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [45].
{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ} أي: في ترك الجهاد بهما: {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إذ لا يرجون ثوابه ولا حياته، وهم المنافقون، ولذا قال: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ} أي: فيما تدعوهم إليه، أي: رسخ فيها الريب {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} أي: ليست لهم قدم ثابتة في شيء، فهم قوم حيارى هلكى، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
تنبيهات:
الأول: اعلم أن في تصديره تعالى فاتحة الخطاب ببشارة العفو، دون ما يوهم العتاب، من مراعاة جانبه الصلاة والسلام، وتعهده بحسن المفاوضة، ولطف المراجعة ما لا يخفى على أولي الألباب.
قال سفيان بن عيينة: انظروا إلى هذا اللطف: بدأ بالعفو قبل ذلك المعفوّ.
قال مكّي: عفا الله عنك، افتتاح كلام مثل أصلحك الله وأعزك. وقال الداودي: إنها تكرمة.
أقول: ويؤيد ذلك قوله عليّ بن الجهم يخاطب المتوكل وقد أمر بنفيه:
عفا الشهاب ألا حُرمةٌ ** تَعُوذُ بعفوك أَن أُبْعَدَ

ألم تر عبداً عدا طورَهُ ** ومولىً عفا ورشيداً هدَى

أقلني أقالك من لم يَزَلْ ** يقيك ويصرف عنك الردى

وما اشتهر من كون العفو لا يكون إلا عن ذنب- غير صحيح- فالواجب تفسيره في كل مقام بما يناسبه.
قال الشهاب: وهو يستعمل حيث لا ذنب، كما تقول لمن تعله. عفا الحديث: ما صنعت في أمري؟ وفي الحديث: «عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له».
وقال السخاوندي: وهو تعليم لتعظيمه صلى الله عليه وسلم، ولولا العفو في الخطاب لما قام بصولة العتاب وقال القاضي عياض في الشفا: وأما قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} فأمر لم يتقدم للنبيّ صلى الله عليه وسلم فيه من الله نهي، فيعدّ معصية ولا عدّه الله عليه معصية، بل يعده أهل العلم معاتبة، وغلّطوا من ذهب إلى ذلك.
قال نفطويه: وقد حاشاه الله من ذلك، بل كان مخيراً في أمرين.
قالوا: وقد كان له أن يفعل ما يشاء فيما لم ينزل عليه وحي، وكيف؟ وقد قال الله تعالى: {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} فلما أذن لهم أعلمه الله تعالى بما لم يطلعه عليه من سرهم، أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا لنفاقهم، وأنه لا حرج عليه فيما فعل، وليس عفا هنا بمعنى غفر، بل كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق». ولم تَجِبْ عليهم قط، أي: لم يلزمهم ذلك.
ونحوه للقشيري قال: إنما يقول: العفو لا يكون إلا عن ذنب، من لم يعرف كلام العرب، قال: ومعنى: عَفَا اللهُ عَنْكَ، أي: لم يلزمك ذنباً. انتهى.
وقد عد ما وقع في الكشاف هنا من قبيح سقطاته.
وللعلامة أبي مسعود مناقشة معه في ذلك، أُورِدُها لبلوغها الغاية في البلاغة، قال رحمه الله:
ولقد أخطأ وأساء الأدب، وبئس ما فعل فيما قال وكتب، من زعم أن الكلام كناية عن الجناية، وأن معناه أخطأت، وبئس ما فعلت، هب أنه كناية، أليس إيثارها على التصريح بالجناية للتلطيف في الخطاب، والتخفيف في العتاب، وهب أن العفو بالسوء، أو يسوغ إنشاء الإستقباح اللائمة، بحيث يصحح هذه المرتبة من المشافهة بالسوء، أو يسوغ إنشاء الإستقباح بكلمة بئسما، المنبئة عن بلوغ القبح إلى رتبة يتعجب منها، ولا يخفى أنه لم يكن في خروجهم مصلحة للدين، أو منفعة للمسلمين، بل كان فيه فساد وخبال، حسبما نطق به قوله عزَّ وجلَّ: {لَوْ خَرَجُوا} الخ، وقد كرهه سبحانه كما يفصح عنه قوله تعالى: {وَلَكنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ} الآية، نعم كان الأولى تأخير الإذن حتى يظهر كذبهم آثر ذي أثير، ويفتضحوا على رؤوس الأشهاد، ولا يتمكنوا من التمتع بالعيش على الأمن والدعة، ولا يتسنى لهم الإبتهاج فيما بينهم، بأنهم غروه صلى الله عليه وسلم، وأرضوه بالأكاذيب.
على أنه لم يهنأ لهم عيش، ولا قرّت لهم عين، إذ لم يكونوا على أمن واطمئنان، بل كانوا على خوف من ظهور أمرهم وقد كان. انتهى.
قال الخفاجي: وحاول بعضهم توجيه كلام الكشاف بأن مراده أن الأصل فيه ذلك، فأبدله بالعفو تعظيماً لشأنه، ولذا قدم العفو على ما يوجب الجناية، فلا خطأ فيه.
قال رحمه الله: ولو اتقى هو والموجِّه موضع التهم- كان أولى وأحرى. انتهى.
الثاني: استدل بالآية على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم أحياناً بالإجتهاد، كما بسطه الرازي.
قال السيوطي في الإكليل: واستدل بها من قال: إن اجتهاده قد يخطئ ولكن ينبَّه عليه بسرعة.
الثالث: قال الرازي: دلت الآية على وجوب الإحتراز عن العجلة، ووجوب التثبت والتأني، وترك الإغترار بظواهر الأمور، والمبالغة في التفحص، حتى يمكنه أن يعامل كل فريق بما يستحق من التقريب أو الإبعاد.
الرابع: قال أبو السعود: تغيير الأسلوب بأن عبر عن الفريق الأول بالموصول الذي صلته فعل دالّ على الحدوث، وعن الفريق الثاني باسم الفاعل المفيد للدوام، للإيذان بأن ما ظهر من الأولين صدق حادث في أمر خاص، غير مصحح لنظمهم في سلك الصادقين، وأن ما صدر من الآخرين، وإن كان كذباً حادثاً متعلقاً بأمر خاص، لكنه أمر جارٍ على عادتهم المستمرة، ناشئ عن رسوخهم في الكذب. ودقق رحمه الله في بيان لطائف آخر. فلتراجع.
الخامس: قيل: نفي الفعل المستقبل الدالّ على الإستمرار في قوله تعالى: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ} يفيد نفي الإستمرار.
وهذا معنى قول الزمخشري: ليس من عادة المؤمنين أي: يستأذنوك.
قال النحرير: ولا يبعد حمله على استمرار النفي، كما في أكثر المواضع، أي: عادتهم عدم الإستئذان.
قال الناصر: وهذا الأدب يجب أن يقتفى مطلقاً، فلا يليق بالمرء أن يستأذن أخاه في أن يسدي له معروفاً، ولا بالمضيف أن يستأذن ضيفه في أن يقدم إليه طعاماً، فإن الإستئذان في أمثال هذه المواطن أمارة التكلف والتكرّه، وصلوات الله على خليله وسلامه، لقد بلغ من كرمه وأدبه مع ضيوفه أنه كان لا يتعاطى شيئاً من أسباب التهيؤ للضيافة بمرأى منهم، فلذلك مدحه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه الخلة الجميلة، والآداب الجليلة، فقال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} أي: ذهب على خفاء منهم، كيلا يشعروا به، والمهتم بأمر ضيفه بمرأى منه، ربما يعدّ كالمستأذن له في الضيافة، فهذا من الآداب التي ينبغي أي: يتمسك بها ذوو المروءة، وأولو القوة.
وأشد من الإستئذان في الخروج للجهاد ونصرة الدين، والتثاقل عن المبادرة إليه، بعد الحض عليه والمناداة.
وأسوأ أحوال المتثاقل، وقد دعي الناس إلى الغزاة، أن يكون متمسكاً بشعبة من النفاق. نعوذ بالله من التعرض لسخطه.
ثم بيّن تعالى جلية شأن أولئك المنافقين المستأذنين، بأنهم لم يريدوا الخروج للجهاد حقيقة، ولذلك خذلهم، فقال سبحانه:

.تفسير الآية رقم (46):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [46].
{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} بضم العين وتشديد الدال، أي: قوةً من مال وسلاح وزادٍ ونحوها {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} أي: نهوضهم للخروج {فَثَبَّطَهُمْ} أي: فكسّلهم وضعّف رغبتهم {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} أي: من النساء والصبيان.
تنبيهات:
الأول: دل قوله تعالى: {لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} على أن عدة الحرب، من الكُراع والسلاح وجميع ما يستعان به على العدوّ، من جملة الجهاد.
فما صرف في المجاهدين، صرف في ذلك، وهذا جليّ فيما يتقى به من العدة كالسلاح، فأما ما يحصل به الإرهاب من الرايات والطبول ونحو ذلك، مما يضعف به قلب العدوّ، فهو داخل في الجهاد، وقد قال تعالى في سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، ويكون ذلك كلباس الحرير حالة الحرب، وهذا جليّ حيث لا يؤدي إلى السرَف.
الثاني: إن الفعل يحسن بالنية، ويقبح بالنية، وإن استويا في الصورة، لأن النفير واجب مع نية النصر، وقبيح مع إرادة تحصيل القبيح، وذلك لأنه تعالى أخبر أنه كره انبعاثهم لما يحصل منه من إرادة المكر بالمسلمين.
الثالث: للإمام منع مِنْ يتهم بمضرة المسلمين، أن يخرج للجهاد، فله نفي الجاسوس والمرجف والمخذّل. ذكر ذلك كله بعض مفسري الزيدية.
الرابع: ذكروا أن قوله تعالى: {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} تمثيل لإلقاء الله تعالى كراهة الخروج في قلوبهم، يعني نزّل خلق داعية القعود فيهم، منزلة الأمر، والقول الطالب، كقوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} أي: أماتهم، أو هو تمثيل لوسوسة الشيطان بالأمر بالقعود، أو هو حكاية قول بعضهم لبعض، أو هو إذن الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بالقعود.
قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى قوله: {مَعَ الْقَاعِدِينَ}؟
قلت: هو ذم لهم وتعجيز، وإلحاق بالنساء والصبيان والزَّمْنَى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت، وهم القاعدون والخالفون والخوالف، ويبينه قوله تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفَ}.
قال الناصر: وهذا من تنبيهاته الحسنة. ونزيده بسطاً فنقول:
لو قيل: {اقْعُدُوا} مقتصراً عليه، لم يُفِدْ سوى أمرهم بالقعود، وكذلك: كُونوا مع الْقَاعِدِينَ.
ولا تحصل هذه الفائدة من إلحاقهم بهؤلاء الأصناف الموصوفين عند الناس بالتخلف والتقاعد، الموسومين بهذه السمة، إلا من عبارة الآية، ولعن الله فرعون، لقد بالغ في توعيد موسى عليه السلام بقوله: {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}، ولم يقل: لأجعلنك مسجوناً. لمثل هذه النكتة من البلاغة.
ثم بين تعالى سرّ كراهته لخروجهم بقوله:

.تفسير الآية رقم (47):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [47].
{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً} أي: فساداً وشرّاً {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} أي: ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالفساد.
قال الشهاب: الإيضاع: إسراع سير الإبل. يقال: وضعت الناقة، تضع إذا أسرعت، وأوضعتها أنا.
والمراد: الإسراع بالنمائم، لأن الراكب أسرع من الماشي. فقيل: المفعول مقدَّر، وهو النمائم، فشبه النمائم بالركائب في جريانها وانتقالها، وأثبت لها الإيضاع. ففيه تخييلية ومكنية.
وقيل: إنه استعارة تبعية، شبه سرعة إفسادهم لذات البيْن بالنميمة، بسرعة سير الركائب، ثم استعير لها الإيضاع، وهو للإبل.
وخلال جمع خلل، وهو الفرجة، استعمل ظرفاً بمعنى بين.
واعلم أن قوله: {وَلَأَوْضَعُوا} مرسوم في الإمام بألفين، لأن الفتحة كانت تكتب ألفاً قبل الخط العربي، والخط العربي اختراع قريباً من نزول القرآن، وقد بقي من تلك الألف أثر في الطباع، فكتبوا صورة الهمزة ألفاً وفتحها ألفاً أخرى ونحوه: {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ}.
{يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أي: يطلبون لكم ما تفتنون، بإيقاع الخلاف فيما بينكم، وإلقاء الرعب في قلوبكم، وإفساد نيّاتكم {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي: منقادون لقولهم مستحسنون لحديثهم، وإن كانوا لا يعلمون حالهم، لضعف عقولهم، فيتوهمون منهم النصح والإعانة، وهم يريدون التخذيل والفتنة، فيؤدي إلى وقوع شرّ بين المؤمنين، وفساد كبير.
وقال مجاهد وزيد بن أسلم وابن جرير، أي: فيكم عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم.
قال ابن كثير: وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم، بل هذا عامّ في جميع الأحوال. والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق، وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين.
قال محمد بن إسحاق: كان استأذن، فيما بلغني، من ذوي الشرف منهم، عبد الله بن أبيّ ابن سلول والجدّ بن قيس، وكانوا أشرافاً في قومهم، فثبطهم الله، لعلمه بهم أن يخرجوا فيفسدوا عليه جنده.
وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيها يدعونهم إليه، لشرفهم فيهم، فقال: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}. انتهى.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} ولا يخفى عليه شيء من أمرهم، وفيه شمول للفريقين: القاعدين والسماعين.
ثم برهن تعالى على ابتغائهم الفتنة في كل مرة بقوله: